أيها القوميون الاجتماعيون،
أيها الـمواطنون،
كنا من نحو خمس عشرة سنة دخلنا الـمعركة الأولى. وقد استمرت هذه الـمعركة كل الـخمس عشرة سنة التي مرت على إنشاء الـحزب القومي الاجتماعي إلى اليوم.
هذه الـمعركة هي معركة الوصول إلى مخاطبة الشعب، إلى عقل الشعب وقلبه، دارت بيننا وبين الذين أرادوا أن لا تصل الـمفاهيم القومية الاجتماعية إلى قلب الشعب، وعقله. وفي ختام الـخمس عشرة سنة، التي دامت فيها هذه الـمعركة، نقدر أن نقول اليوم إننا قد ربحناها ربحاً نهائياً وانتصرنا على القوى الـمانعة لنا من الوصول إلى الشعب، الانتصار الفاصل. (هتاف وتصفيق).
معركة طويلة جداً، شاقة جداً، استغرقت من الـمجهود والآلام ما لو كان في غير سبيلها، بعد إجماع الشعب على الـمبادىء القومية الاجتماعية، لكنّا اليوم اجتزنا الطريق التي تقود هذه الأمة إلى مراكز الـمجد، إلى الـخير، إلى البحبوحة، إلى العظمة، إلى إعطاء العالم من إنتاجها العظيم، ولكنّا اجتزنا من الطريق مراحل، وكنا اليوم على غير الـحالة التعيسة التي نحن فيها بصفة كوننا أمة.
كان العمل شاقاً ولكن لم يكن بد منه، وكانت الـمعركة عنيفة ولكن لم يكن غنى عنها، لأن الرجعة ومفاسد الاجتماع والاقتصاد الـمتغلغلة في أوساط شعبنا والتي استمرت في تغلغلها قروناً طويلة يغذيها سلطان الـمستعمر الفاتـح، كانت كبيرة واسعة عنيدة، وكانت الـمعركة للتغلب عليها معركة لا غنى عنها.
في هذه الـخمس عشرة سنة حوربنا بأسلحة متعددة متنوعة، حوربنا بإيهام الشعب بالقول مثلاً لسكان جبل لبنان وخاصة الـمسيحيين منهم: إنّ أنطون سعاده رجل يريد أن يأخذ الـمسيحيين ليضعهم تـحت حكم الـمحمديين. وبالقول إنّ العقيدة القومية الاجتماعية التي أتى بها أنطون سعاده تفيد الـمسيحيين أكثر وتـجعل الدولة في أيديهم.
حوربنا أيضاً بأشكال كثيرة منها هذا: إنّ أنطون سعاده رجل مفكر ويكتب ولكنه ليس رجلاً سياسياً، لا يحسن السياسة!
أيها القوميون الاجتماعيون،
أنتم تعرفـون أنّ النظـام الذي نسعى لإقامتـه لا يحكم فيه محمـدي مسيحياً ودرزياً، أو درزي محمدياً ومسيحياً، أو مسيحي محمدياً ودرزياً، بل يتولى الـحكم فيه قوميون اجتماعيون من الأمة وللأمة. (تصفيق شديد).
أما السياسة، سياسة الثعلبة، سياسة الغايات الـخصوصية، سياسة النفاق والزندقة، سياسة تـجويع الشعب، وتعليله بالقول إنّ الـخبز يبلغه غداً ولن يُأتى به، هي سياسة رفضتها، ولست سياسياً من هذا النوع!
إنّ سياسة الاستهزاء بأماني الشعب وآماله واحتقار الأمة، ودوس يقينه ورجائه والـمرور عليهما إلى الغايات الشخصية والـمرامي الـخصوصية، هي سياسة أحتقرها.
إنّ السياسة الواحدة الوحيدة التي أعرفها هي سياسة الـحق والصراحة لهذا الشعب، وهي سياسة تعليمه وإفهامه حقيقة وضعه، حقيقة داخليته، وحقيقة القوى الكامنة في نفسه ليرتقي إلى الـمجد الذي يستحق الوصول إليه (تصفيق وهتاف شديدان).
ومن الأسلحة أيضاً سلاح فقدان الثقة بالنفس وبـمواهب هذا الشعب، حتى بلغ ببعض السياسيين أن قال لي: إذا تـمكنت أن تـجمع حولك عشرة أشخاص على مبدأ من هذا النوع ومن مختلف الطوائف أتيت عجيبة في هذه البلاد. وبعد أن صارت العشرة عشرات والعشرات مئات والـمئات ألوفاً، من جميع الطوائف والـملل والنحل والفئات لا نزال نسمع في بعض الدوائر من يقول: مستحيل أن تتحقق الـمبادىء التي يقول بها أنطون سعاده.
بعد أن صارت هذه الـمبادىء حقيقة فاعلة في نفوس ألوف الألوف نسمع من يقول لا نصدق. وكيف يـمكن للذي يضع عصابة على عينيه أن يرى ويقول إنّ الشيء موجود؟ كيف يـمكن أن نُقنع من يضع عصابة على عينيه بأن ألوفاً وألوفاً من هذا الشعب قد تركوا أن يكونوا في القضايا القومية والإنسانية، محمديين ومسيحيين ودروزاً ليصيروا قوميين اجتماعيين إخواناً في أمة عظيمة تسير إلى الـمجد؟
يـمكن أن نقنعهم بطريقة واحدة أن نأتي ونرفع العصائب عن أعينهم، وأن نرفع كل حجاب بينهم وبين الـحقيقة. وقد مزّقنا كثيراً من هذه الـحجب حتى اليوم، والبقية ستسقط حتماً إن لم يكن غداً فبعد غد (تصفيق).
إنّ من أصعب الأعمال للمصلح أن يحاول إصلاح من يقوم كل ساعة يقاتله مـمانعاً في الإصلاح.
يقولون إننا نحن على ضلال، فهل التعاسة التي يشقون فيها والأساليب والعقلية التي يحيون بها هي النعيم الذي يريدون؟ نحن على ضلال وهم على صواب والـحالة تعاسة وشقاء فكيف يوفقون بين هذين النقيضين؟
نحن على ضلال وهم على صواب، الأنظمة القائمة والـحالة الراهنة ليست من صُنْعنا بل من صُنع التعاليم التي يقولون بها هم، فلماذا لا يوصلون الشعب إلى النعيم ما دمنا نحن الضالين وهم الـمهتدين!
حالة يئن منها شعب بكامله وأمة بأسرها، ولا إنقاذ لهذه الأمة من الـحالة إلا بهذه الـمبادىء القومية الاجتماعية الوحيدة الآخذة في إنقاذ الشعب من الـحزبيات الدينية، من الطائفيات، من تأثير الدول على هذه الـحزبيات والطائفيات، من الأحقاد الـمتغلغلة في الصدور، بهذه الـمبادىء التي جعلت من هذه الطوائف شعباً واحداً، أمة واحدة، إرادة واحدة متى اجتمع الشعب عليها واستيقظ لـمواهبه والقوة التي تدلّه عليها القومية الاجتماعية، سار إلى الـمجد، وكان في سيره القضاء والقدر!
من الآن وصاعداً سنحاول بكل الطرق والوسائل إفهام الشعب حقيقة أسباب تأخره، حقيقة أسباب انحطاط الأمة، وعلة شقائها وسنريه طريق الـحياة الـجديدة في نظام جديد يحرر النفوس من الأغلال الاقتصادية والروحية ويزيل هذه الـحالة التي يقف فيها أبناء الأمة بعضهم ضد بعض، ليقفوا متساندين ضد كل قوة أجنبية تـحاول استعباد الشعب بألف حيلة وحيلة.
وإنّ حيلة استعباد الشعب ليست فقط الاحتلال العسكري بحجة الـحماية بل أيضاً الاحتلال، بطرق وأشكال وأساليب يخضع بواسطتها الشعب إخضاعاً للمطامع الأجنبية الـمسيطرة عليه من وراء الستائر.
الـمصالح الأجنبية لا تزال متغلغلة في كل بقعة من وطننا. قد زال الاحتلال العسكري ولكن الاحتلال الاقتصادي والستراتيجي لا يزال قائماً. وإذا كان غيرنا يقنع به، حداً أخيراً للاستقلال فنحن القوميين الاجتماعيين لسنا قانعين بهذه الـحالة الزرية.
وإنّ من تعس هذه الـحالة لنا أنه إذا كان لنا جيش مسلح، وكانت لنا رايات وألوية، فنحن في هذه الـحالة لا نرى أية قيمة من الـمجد أو أية غاية مجيدة نتجه إليها بهذا الـجيش. إذا كان لنا جيش مسلح وليس له غاية عظيمة فكأنه ليس لنا جيش وليس لنا سلاح (تصفيق).
نحن لسنا ما علّمنا الأجنبي طوال أزمنة كثيرة. نحن لسنا أمة حقيرة قليلة العدد، فقيرة الـموارد، معدومة الوسائل. نحن أمة قوية عظيمة: قوية بـمواهبها غنية بـمواردها، نشيطة بروحها، ولكنها كانت متخاذلة منقسمة بعضها على بعض ولذلك كانت في حالة ضعف، ولكن وقد وحّدتها الـمبادىء القومية الاجتماعية فهي لم تعد ضعيفة بل هي هذه الأمة التي تـجمع قوّتها وتنمو وتتحفز للوثوب لانتزاع الـحقوق، ولتبوء مراكز الـمجد الـجديرة بها (تصفيق).
الإخاء القومي الاجتماعي قد أصبح حقيقة راهنة، وقد تـحمّلنا في سبيل إيجاد هذا الإخاء الـحقيقي، كل الاضطهادات والآلام، وانتصرنا حتى الآن، بالاضطهادات والآلام، ولكننا نعلن أنّ عهد الاضطهادات والآلام قد انتهى وأنّ انتصار هذه الأمة سيكون حتماً، ليس فقـط بتحمّل الاضطهـادات والآلام، بـل بكـل الطـرق الـمؤديـة إلى النصر.
إننا لا نطلب شيئاً لأشخاصنا. لو كنت أطلب شيئاً لنفسي لكنت سياسياً لبقاً كما يريد الذين يدوسون الشعب بأقدامهم، ويعطونه من ألسنتهم حلاوة. لو كنت أطلب لنفسي لكنت سلكت غير هذا السبيل، كنت سلكت سبيل أن أكون مارونياً مع الـموارنة، أرثوذكسياً مع الأرثوذكس، يعقوبياً مع اليعاقبة، سنياً مع السنّيين، درزياً مع الدروز، شيعياً مع الشيعيين، علوياً مع العلويين، إسماعيلياً مع الإسماعيليين. وإني واثق من أني كنت اكتسبت صداقات كثيرة ولكني رفضت هذه الصداقات عن وعي وعن عقيدة. لم أتركها جاهلاً بل عارفاً. لأني أردت ليس لنفسي، بل أردت للأمة. أردت لهذه الأمة أن تعرف حالها وسرت في تـحقيق إرادتي غير آبه لـمن قام يرميني بالنار، لأني أردت إنقاذ الأمة وتـحقيق مجدها (تصفيق وهتاف شديدان).
السياسـة، أيها القوميـون الاجتماعيون، تختلف في عُرفنا عنها في عُرف الآخرين. نحن لا نتاجر بالـمبادىء ولا بالصداقات ولا نخلف الوعد ولا نستهزىء بأماني الشعب ولا نحتقر حاجاته ورغباته. نحن نؤمن بحقيقة الشعب، ونعمل لـحقيقة الشعب. نحن نقدّس آلام الشعب ونبذل نفوسنا فداء للشعب. نحن لا نستهزىء، ولا ندوس أماني الشعب بأقدامنا، بل نرفعها على هامنا ونبذل دماءنا ونفوسنا في سبيل تـحقيق أماني الشعب (تصفيق شديد).
هذا هو الـمفهوم السياسي في الـحزب القومي الاجتماعي. وإذا كان هنالك من يقول إنّ السياسة غير هذا، فله سياسته ولنا سياستنا.
بهذه السياسة قد حققنا أساس الوحدة القومية. وبهذه السياسة سننتصر على كل العراقيل والعقبات الـمقبلة كما انتصرنا على العقبات الـماضية. بهذه السياسة نعلن أنه قد مشت صفوف الزوبعة وأن لا مردّ لـمسيرها. (تصفيق وهتاف شديدان طويلان).
وكاد يفوتني أن أهنّىء شخصياً القوميين الاجتماعيين في بيت مري وبرمانا وكل هذه الـمنطقة، وأن أشكر أيضاً الأهلين الذين في قرارة نفوسهم أدركوا، من وراء حجب كثيرة من التضليل والدعاوات، أنّ الـحزب القومي الاجتماعي ليس لنفسه بل للأمة كلها.